فصل: غزو فارس من البحرين وعزل العلاء عن البصرة ثم المغيرة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» **


  غزو فارس من البحرين وعزل العلاء عن البصرة ثم المغيرة

وولاية أبي موسى كان العلاء بن الحضرمي على البحرين أيام أبي بكر ثم عزله عمر بقدامة بن مظعون ثم أعاده‏.‏ وكان العلاء ينادي سعد بن أبي وقاص ووقع له في قتال أهل الردة ما وقع‏.‏ فلما ظفر سعد بالقادسية كان أعظم من فعل العلاء فأراد أن يؤثر في الفرس شيئاً فندب الناس إلى فارس وأجابوه وفرقهم أجناداً بين الجارود بن المعلى والسوار بن همام وخليد بن المنذر وأمره على جميعهم وحمله في البحر إلى فارس بغير إذن من عمر‏.‏ لأنه كان ينهى عن ذلك وأبو بكر قبله خوف الغرق‏.‏ فخرجت الجنود إلى اصطخر وبازائهم الهربذ في أهل فارس وحالوا بينهم وبين سفنهم فخاطبهم خليد وقال‏:‏ إنما جئتم لمحاربتهم والسفن والأرض لمن غلب‏.‏ ثم ناهدوهم واقتتلوا بطاوس وقتل الجارود والسوار‏.‏ وأمر خالد أصحابه أن يقاتلوا رجالة‏.‏ وقتل من الفرس مقتله عظيمة‏.‏ ثم خرج المسلمون نحو البصرة وأخذ الفرس عليهم الطرق فعسكروا وامتنعوا وبلغ ذلك عمر فأرسل إلى عتبة بالبصرة يأمره بإنفاذ جيش كثيف إلى المسلمين بفارس قبل أن يهلكوا‏.‏ وأمر العلاء بالإنصراف عن البحرين إلى سعد بمن معه فأرسل عتبة الجنود اثني عشر ألف مقاتل فيهم عاصم بن عمرو وعرفجة بن هرثمة والأحنف بن قيس وأمثالهم وعليهم أبو سبرة بن أبي رهم من عامر بن لؤي فساحل بالناس حتى لقي خليداً والعسكر‏.‏ وقد تداعى إليهم بعد وقعة طاوس أهل فارس من كل ناحية فاقتتلوا وانهزم المشركون وقتلوا‏.‏ ثم انكفأوا بما أصابوا من الغنائم واستحثهم عتبة بالرجوع فرجعوا إلى البصرة‏.‏ ثم استأذن عتبة في الحج فأذن له عمر فحج ثم استعفاه فأبى وعزم عليه ليرجعن إليه عمله‏.‏ فانصرف ومات ببطن نخلة على رأس ثلاث سنين من مفارقة سعد‏.‏ واستخلف على عمله أبا سبرة بن أبي رهم فأقره عمر بقية السنة‏.‏ ثم استعمل المغيرة بن شعبة عليها وكان بينه وبين أبي بكر منافرة وكانا متجاورين في مشربتين ينفذ البصر من إحداهما إلى الأخرى من كوتين فزعموا إن أبا بكرة وزياد بن أبيه وهو أخوه لأمه وآخرين معهما عاينوا المغيرة على حالة قذفوه بها ادعوا الشهادة ومنعه أبو بكرة من الصلاة‏.‏ وبعثوا إلى عمر فبعث أبا موسى أميراً في تسعة وعشرين من الصحابة فيهم أنس بن مالك وعمران بن حصين وهشام بن عامر ومعهم كتاب عمر إلى المغيرة‏:‏ أما بعد فقد بلغني عنك نبأ عظيم وبعثت أبا موسى أميراً فسلم إليه ما في يدك والعجل‏.‏ ولما استحضرهم عمر اختلفوا في الشهادة ولم يستكملها زياد فجلد الثلاثة‏.‏ ثم عزل أبا موسى عن البصرة بعمر بن سراقة ثم صرفه إلى الكوفة ورد أبا موسى فأقام عليه‏.‏ بناء البصرة والكوفة وفي هذه السنة وهي أربع عشرة بلغ عمر أن العرب تقر بل تغيرت ألوانهم ورأى ذلك في وجوه وفودهم فسألهم فقالوا وخومة البلاد غيرتنا وقيل إن حذيفة وكان مع سعد كتب بذلك إلى عمر‏.‏ فسأل عمر سعداً فقال غيرتهم وخومة البلاد والعرب لا يوافقها من البلاد إلا ما وافق إبلها‏.‏ فكتب إليه أن يبعث سلمان وحذيفة شرقيه فلم يرضيا إلا بقعة الكوفة فصليا فيها ودعيا أن تكون منزل ثبات‏.‏ ورجع إلى سعد فكتب إلى القعقاع وعبد الله بن المعتمر أن يستخلفا على جندهما ويحضرا‏.‏ وارتحل من المدائن فنزل الكوفة في المحرم سنة سبع عشرة لسنتين وشهرين من وقعة القادسية ولثلاث سنين وثمانية أشهر من ولاية عمر‏.‏ وكتب إلى عمر إني قد نزلت الكوفة بين الحيرة والفرات برياً بحرياً بين الجلاء والنصر وخيرت الناس بينهما وبين المدائن ومن أعجبته تلك جعلته فيها مسلحة‏.‏ فلما استقروا بالكوفة ثاب إليهم ما فقدوه من حالهم‏.‏ ونزل أهل البصرة أيضأ منازلهم في وقت واحد مع أهل الكوفة بعد ثلاث مرات نزلوها من قبل واستأذنوا جميعاً في بنيان القصب فكتب عمر أن العسكرة أشد لحربهم وأذكر لكم‏:‏ وما أحب أن أخالفكم فابتنوا بالقصب‏.‏ ثم وقع الحريق في القصرين فاستأذنوا في البناء باللبن فقال‏:‏ افعلوا ولا يزيد أحد على ثلاثة بيوت ولا تطاولوا في البنيان والزموا السنة تلزمكم الدولة‏.‏ وكان على تنزيل الكوفة أبو هياج بن مالك وعلى تنزيل البصرة أبو المحرب عاصم بن الدلف‏.‏ وكانت ثغور الكوفة أربعة‏:‏ حلوان وعليها القعقاع وماسبدان وعليها ضرار بن الخطاب وقرقيسيا وعليها عمر بن مالك والموصل وعليها عبد الله بن المعتمر‏.‏ ويكون بها خلفاؤهم إذا غابوا‏.‏ فتح الأهواز والسوس بعدها لما انهزم الهرمزان يوم القادسية قصد خوزستان وهي قاعدة الأهواز فملكها وملك سائر الأهواز‏.‏ وكان أصله منهم من البيوتات السبعة في فارس وأقام يغير على أهل ميثان ودست ميثان من ثغور البصرة يأتي إليها من منادر ونهر تيري من ثغور الأهواز‏.‏ واستمد عتبة بن غزوان سعداً فأمده بنعيم بن مقرن ونعيم بن مسعود‏.‏ فنزل بين ثغور البصرة وثغور الأهواز‏.‏ وبعث عتبة بن غزوان سلمي بن القين وحرملة بن قريضة من بني العدوية من حنظلة فنزل على ثغور البصرة بميسان ودعوا بني العم بن مالك وكانوا ينزلون خراسان‏.‏ فأهل البلاد يأمنونهم فاستجابوا وجاء منهم غالب الوائلي وكليب بن وائل الكلبي فلقي سلمي وحرملة وواعداهما الثورة بمنادر ونهر تيري‏.‏ ونهض سلمي وحرملة يوم الموعد في التعبية وأنهض نعيماً والتقو هم والهرمزان وسلمي على أهل البصرة ونعيم على أهل الكوفة‏.‏ وأقبل إليهما المدد من قبل غالب وكليب وقد ملك منادر ونهر تيري فانهزم الهرمزان وقتل المسلمون من أهل فارس مقتلة وانتهوا في اتباعهم إلى شاطىء دجيل وملكوا ما دونها‏.‏ وعبر الهرمزان جسر سوق الأهواز وصل دجيل بينه وبين المسلمين‏.‏ ثم طلب الهرمزان الصلح فصالحوه على الأهواز كلها ما خلا نهر تيري ومنادر وما غلبوا عليه من سوق الأهواز فإنه لا يرد وبقية المسالح على نهر تيري ومنادر وفيهما غالب وكليب‏.‏ ثم وقع بينهما وبين الهرمزان اختلاف في التخم ووافقهما سلمي وحرملة فنقض الهرمزان ومنع ما قبله وكثف جنوده بالأكراد‏.‏ وبعث عتبة بن غزوان حرقوص بن زهير السعدي لقتاله فانهزم وسار إلى رام هرمز وفتح حرقوص سوق الأهواز ونزل بها واتسعت له البلاد إلى تستر‏.‏ ووضع الجزية وكتب بالفتح وبعث في أثر الهرمزان جزء بن معاوية فانتهى إلى قرية الشغر‏.‏ ثم إلى دورق فملكها‏.‏ وأقام بالبلاد وعمرها وطلب الهرمزان الصلح على ما بقي من البلاد‏.‏ ونزل حرقوص جبل الأهواز وكان يزدجرد في خلال ذلك يمد ويحرض أهل فارس حتى اجتمعوا وتعاهدوا مع أهل الأهواز على النصرة‏.‏ وبلغت الأخبار حرقوصاً وجزءأ وسلمي وحرملة فكتبوا إلى عمر فكتب إلى سعد أن يبعث جنداً كثيفاً مع النعمان بن مقرن ينزلون منازل الهرمزان‏.‏ وكتب إلى أبي موسى أن يبعث كذلك جنداً كثيفاً مع سعد بن عدي أخي سهيل ويكون فيهم البراء بن مالك ومجزأة بن ثور وعرفجة بن هرثمة وغيرهم‏.‏ وعلى الجندين أبو سبرة بن أبي رهم‏.‏ فخرج النعمان بن مقرن في أهل الكوفة فخلف حرقوصاً وسلمي وحرملة إلى الهرمزان وهو برام هرمز‏.‏ فلما سمع الهرمزان بمسير النعمان إليه بادره الشدة ولقيه فانهزم ولحق بتستر وجاء النعمان إلى رام هرمز فنزلها وجاء أهل البصرة من بعده فلحقهم خبر الواقعة بسوق الأهواز فساروا حتى أتوا تستر‏.‏ ولحقهم النعمان فاجتمعوا على تستر وبها الهرمزان وأمدهم عمر بأبي موسى جعله على أهل البصرة فحاصروهم أشهراً وأكثروا فيهم القتل‏.‏ وزاحفهم المشركون ثمانين زحفاً سجالاً ثم انهزموا في آخرها‏.‏ واقتحم المسلمون خنادقهم وأحاطوا بها وضاق عليهم الحصار فاستأمن بعضهم من داخل البلد بمكتوب في سهم على أن يدلهم على مدخل يدخلون منه فانتدب لهم طائفة ودخلوا المدينة من مدخل الماء وملكوها وقتلوا المقاتلة‏.‏ وتحصن الهرمزان بالقلعة فأطافوا بها واستنزلوهم على حكم عمر وأوثقوه واقتسموا الفيء فكان سهم الفارس ثلاثة آلاف والراجل ألف‏.‏ وقتل من المسلمين في تلك الليلة البراء بن مالك ومجزأة بن ثور قتلهما الهرمزان‏.‏ ثم خرج أبو سبرة في أثر المنهزمين ومعه النعمان وأبو موسى فنزلوا على السوس وسار زر بن عبد الله الفقيمي إلى جنديسابور فنزل عليها‏.‏ وكتب عمر إلى أبي موسى الأشعري بالرجوع إلى البصرة وأمر مكانه الأسود بن ربيعة من بني ربيعة بن مالك صحابي يسمى المقترب‏.‏ وأرسل أبو سبرة بالهرمزان إلى عمر في وفد منهم أنس بن مالك والأحنف بن قيس فقدموا به المدينة وألبسوه كسوته من الديباج المذهب وتاجه مرصعأ بالياقوت وحليته ليراه المسلمون‏.‏ فلما رآه عمر أمر بنزع ما عليه وقال يا هرمزان‏:‏ كيف رأيت أمر الله وعاقبة الغدر فقال يا عمر‏:‏ إنا وإياكم في الجاهلية كان الله قد خلى بيننا وبينكم فغلبناكم‏.‏ فلما صار الآن معكم غلبتمونا‏.‏ قال فما حجتك وما عذرك في الانتقاض مرة بعد أخرى قال أخاف أن تقتلني قبل أن أخبرك‏!‏ قال لا تخف ذلك‏.‏ ثم استقى فأتي بالماء فقال‏:‏ أخاف أن أقتل وأنا أشرب قال لا بأس عليك حتى تشربه فألقاه من يده وقال‏:‏ لا حاجة لي في الماء وقد أمنتني‏.‏ قال كذبت‏.‏ ‏!‏ قال أنس‏:‏ صدق يا أمير المؤمنين فقد قلت له لا بأس علب حتى تخبرني وحتى تشربه وصدق الناس‏.‏ فأقبل عمر على الهرمزان وقال خدعتني لا والله إلا أن تسلم‏!‏ فأسلم‏.‏ فغرض له في ألفين وأنزله المدينة واستأذنه الأحنف بن قيس في الانسياح في بلاد فارس وقال‏:‏ لا يزالون في الانتقاض حتى يهلك ملكهم فأذن له‏.‏ ولما لحق أبو سبرة بالسوس ونزل عليها وبها شهريار أخو الهرمزان فأحاط بها ومعه المقترب بن ربيعة في جند البصرة فسأل أهل السوس الصلح فأجابوهم‏.‏ وسار النعمان بن مقرن بأهل الكوفة إلى نهاوند وقد اجتمع بها الأعاجم‏.‏ وسار المقترب إلى زر بن عبد الله على جنديسابور فحاصروها مدة ثم رمى السهم بالأمان من خارج على الجزية فخرجوا لذلك‏.‏ فناكرهم المسلمون فإذا عبد فعل ذلك أصله منهم فأمضى عمر أمانة‏.‏ وقيل في فتح السوس‏:‏ إن يزدجرد سار بعد وقعة جلولاء فنزل اصطخر ومنعه سياه في سبعين إلفاً من فارس فبعثه إلى السوس ونزل الكلبانية وبعث الهرمزان إلى تستر كانت واقعة أبي موسى فحاصرهم فصالحوه على وحمل أصحابه على صلح أبي موسى تم على الإسلام على أن يقاتلوا الأعاجم ولا يقتلوا العرب ويمنعهم هو من العرب ويلحق بأشرف العطاء فأعطاهم ذلك عمر وأسلموا وشهدوا فتح تستر ومضى سياه إلى بعض الحصون في زي العجم فغدرهم وفتحه للمسلمين وكان فتح تستر وما بعدها سنة سبع عشرة وقيل ست عشرة‏.‏ مسير المسلمين إلى الجهات للفتح لما جاء الأحنف بن قيس بالهرمزان إلى عمر قال له‏:‏ يا أمير المؤمنين‏!‏ لا يزال أهل فارس يقاتلوننا ما دام ملكهم فيهم فلو أذنت بالإنسياح في بلادهم فازلنا ملكهم انقطع رجاؤهم‏.‏ فأمر أبا موسى أن يسير من البصرة غير بعيد حتى بل ويقيم حتى يأتي أمره‏.‏ ثم بعث إليه مع سهيل بن عدي بألوية الأمراء الذين يسيرون في بلاد العجم لواء خراسان للأحنف بن قيس ولواء أردشيرخرت وسابور لمجاشع بن مسعود السلمي ولواء اصطخر لعثمان بن أبي العاص الثقفي ولوء فسا ودار ابجرد لسارية بن زنيم الكناني ولواء كرمان لسهيل بن علي ولواء سجستان لعاصم بن عمرو ولواء مكران للحكم بن عمير الثعلبي‏.‏ ولم يتهيأ مسيرهم إلى سنة بثماني عشرة‏.‏ ويقال سنة إحدى وعشرين أو اثنين وعشرين‏.‏ ثم ساروا في بلاد العجم وفتحوا مجاعة عام الرمادة وطاعون عمواس وأصاب الناس سنة ثماني عشرة قحط شديد وجدب أعقب جوعاً بعد العهد بمثله مع طاعون أتى على جميع الناس وحلف عمر لا يذوق السمن واللبن حتى يحيا الناس وكتب إلى الأمراء بالأمصار يستمدهم لأهل المدينة‏.‏ فجاء أبو عبيدة بأربعة آلاف راحلة من الطعام وأصلح عمرو بن العاص بحر القلزم وأرسل فيه الطعام من مصر فرخص السعر واستقى عمر بالناس فخطب الناس وصلى‏.‏ ثم قام وأخذ بيد العباس وتوسل به ثم بكى وجثا على ركبتيه يدعو إلى أن مطر الناس‏.‏ وهلك بالطاعون أبو عبيدة ومعاذ ويزيد بن أبي سفيان والحرث بن هشام وسهيل بن عمرو وابنه عتبة في آخرين أمثالهم‏.‏ وتفانى الناس بالشام‏.‏ وكتب عمر إلى أبي عبيدة أن يرتفع بالمسلمين من الأرض التي هو بها فدعا أبو موسى يرتاد له منزلاً ومات قبل رحيله‏.‏ وسار عمر بالناس إلى الشام وانتهى إلى سرغ ولقيه أمراء الأجناد وأخبروه بشدة الوباء‏.‏ واختلفت الناس عليه في قدد معه فقيل إشارة العود‏.‏ ورجع وأخبر عبد الرحمن بن عوف بما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر الوباء فقال‏:‏ إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا فراراً منه‏.‏ أخرجاه في الصحيحين‏.‏ ولما هلك يزيد وولى عمر على دمشق مكانه أخاه معاوية بن أبي سفيان وعلى الأرض شرحبيل بن حسنة‏.‏ ولما فحش أثر الطاعون بالشام أجمع عمر المسير إليه ليقسم مواريث المسلمين ويتطوف على الثغور ففعل ذلك ورجع واستقضى في سنة ثماني عشرة على الكوفة شريح بن الحرث الكندي وعلى البصرة كعب بن سوار الأزدي‏.‏ وحج في هذه السنة ويقال إن فتح جلولاء والمدائن والجزيرة كان في هذه السنة وقد تقدم ذكر ذلك‏.‏ وكذلك فتح قيسارية على يد معاوية وقيل سنة عشرين‏.‏ فتح مصر لما فتح عمر بيت المقدس استأذنه عمرو بن العاص في فتح مصر فأغزاه ثم أتبعه الزبير بن العوام فساروا سنة عشرين أو إحدى أو اثنين أو خمس‏.‏ فاقتحموا باب إليون ثم ساروا في قرى الريف إلى مصر ولقيهم الجاثليق أبو مريم والأسقف قد بعثه المقوقس‏.‏ وجاء أبو مريم إلى عمرو فعرض الجزية والمنع وأخبره بما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأنهم‏.‏ وأجلهم ثلاثاً ورجعوا إلى المقوقس وأرطبون أمير الروم فأبى من ذلك أرطبون وعزم الحرب وبيت المسلمين فهزموه وجنده‏.‏ ونازلوا عين شمس وهي المطرية وبعثوا لحصار الفورفا أبرهة بن الصباح ولحصار الاسكندرية عوف بن مالك فراسلهم أهل البلاد وانتظروا عين شمس‏.‏ فحاصرهم عمرو والزبير مدة حتى صالحوهما على الجزية وأجروا ما أخذوا قبل ذلك عنوةً فجرى الصلح وشرطوا رد السبايا فامضاه لهم عمر بن الخطاب على أن يجيز السبايا في الإسلام وكتب العهد بينهم ونصه‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أعطى عمرو بن العاص أهل مصر من الأمان على أنفسهم ودمهم وأموالهم وكافتهم وصاعهم ومدهم ومدهم لا يزيد شيء في ذلك ولا ينقضي‏.‏ ولا يساكنهم النوب‏.‏ وعلى أهل مصر أن يعطوا الجزية إذا اجتمعوا على هذا الصلح وانتهت زيادة نهرهم خمسين ألف ألف وعليه ما جنى نصرتهم فإن أبى أحد منهم أن يجيب رفع عنهم من الجزية بعددهم وذمتنا ممن أبى برية‏.‏ وإن نقص نهرهم من غايته إذا انتهى رفع عنهم بقدر ذلك ومن دخل في صلحهم من الروم والنوب فله ما لهم وعليه ما عليهم ومن أبى واختار الذهاب فهو آمن حتى يبلغ مأمنه ويخرج من سلطاننا وعليهم ما عليهم أثلاثاً في كل ثلث جباية ثلث ما عليهم على ما في هذا الكتاب عهد الله وذمته وذمة رسوله وذمة الخليفة أمير المؤمنين وذمم المؤمنين‏.‏ وعلى النوبة الذين استجابوا أن يعينوا بكذا وكذا رأساً وكذا وكذا فرساً على أن لا يغزوا ولا يمنعوا من تجارة صادرة ولا واردة‏.‏ شهد الزبير وعبد الله ومحمد ابناه‏.‏ وكتب وردان وحضر‏.‏ هذا نص الكتاب منقولاً من الطبري‏.‏ قال‏:‏ فدخل في ذلك أهل مصر كلهم وقبلوا الصلح ونزل المسلمون الفسطاط وجاء أبو مريم الجاثليق يطلب السبايا التي بعد المعركة في أيام الأجل فأبى عمرو من ردها وقال‏:‏ أغاروا وقاتلوا وقسمتهم في الناس وبلغ الخبر إلى عمر فقال‏:‏ من يقاتل في أيام الأجل فله الأمان‏.‏ وبعث فيهم إلى الدقاق فردهم عليهم‏.‏ ثم سار عمرو إلى الإسكندرية فاجتمع له من بينها وبين الفسطاط من الروم والقبط فهزمهم واثخن فيهم‏.‏ ونازل الإسكندرية وبها المقوقس وسأله الهدنة إلى مدة فلم يجبه وحاصرهم ثلاثة أشهر ثم فتحها عنوة وغنم ما فيها وجعلهم ذمة‏.‏ وقيل إن المقوقس صالح عمراً على إثني عشر ألف دينار على أن يخرج من يخرج ويقيم من يقيم باختيارهم وجعل عمرو فيها جنداً‏.‏ ولما تم فتح مصر والإسكندرية أغزى عمرو العساكر إلى النوبة فلم يظفروا فلما كان أيام عثمان وعبد الله بن أبي سرح على مصر صالحهم على عدة رؤوس في كل سنة ويهدي إليهم المسلمون طعاماً وكسوة فاستمر ذلك فيما بعد‏.‏ وقعة نهاوند لما فتحت الأهواز ويزدجرد بمرو كاتبوه واستنجدوه فبعث إلى الملوك ما بين الباب والسند وخراسان وحلوان يستمدهم فأجابوه واجتمعوا إلى نهاوند وعلى الفرس الفيرزان في مئة وخمسين ألف مقاتل‏.‏ وكان سعد بن أبي وقاص قد ألب أقوام عليه من عسكره وشكوه إلى عمر فبعث محمد بن مسلمة في الكشف عن أمره فلم يسمع إلا خيراً سوى مقالة من بني عبس‏.‏ فاستقدمه محمد إلى عمرو وخبره الخبر فقال‏:‏ كيف تصلي يا سعد قال أطيل الأولتين وأحذف الأخيرتين‏.‏ قال هكذا الظن بك‏.‏ ثم قال‏:‏ من خليفتك على الكوفة قال عبد الله بن عبد الله بن عتبان فأمره وشافهه بخبر الأعاجم‏.‏ وأشار بالإنسياح ليكون أهيب على العدو‏.‏ فجمع عمر الناس واستشارهم بالمسير بنفسه‏.‏ فمن موافق ومخالف إلى أن اتفق رأيهم على أن يبعث الجنود ويقيم ردءاً لهم‏.‏ وكان ذلك رأي علي وعثمان وطلحة وغيرهم‏.‏ فولى على حربهم النعمان بن مقرن المزني وكان على جند الكوفة بعد انصرافهم من حصار السوس وأمره أن يصير إلى ماء لتجتمع الجيوش عليه ويسير بهم إلى الفيرزان ومن معه‏.‏ وكتب إلى عبد الله بن عبد الله بن عتبان أن يستنفر الناس من النعمان فبعثهم مع حذيفة بن اليمان ومعه نعيم بن مقرن وكتب إلى المقترب وحرملة وزر الذين كانوا بالأهواز وفتحوا السوس وجنديسابور أن يقيموا بتخوم أصبهان وفارس ويقطعوا المدد على أهل نهاوند‏.‏ واجتمع الناس على النعمان وفيهم حذيفة وجرير والمغيرة وابن عمر وأمثالهم وأرسل النعمان طليحة وعمرو بن معد يكرب طليعة ورجع عمرو من طريقه‏.‏ وانتهى طليحة إلى نهاوند ونقض الطرق فلم يلق بها أحداً وأخبر الناس فرحل النعمان وعبى المسلمين ثلاثين ألفأ‏.‏ وجعل على مقدمته نعيم بن مقرن وعلى مجنبتيه حذيفة بن اليمان وسويد بن مقرن وعلى المجردة القعقاع وعلى الساقة مجاشع بن مسعود‏.‏ وعبى الفيرزان كتائبه وعلى مجنبتيه زردق وبهمن جادوية مكان ذي الحاجب وقد توافى إليهم بنهاوند كل من غاب من القادسية من أبطالهم‏.‏ فلما تراءى الجمعان كبر المسلمون وحطت العرب الأثقال وتبادر أشراف الكوفة إلى فسطاط النعمان فبنوه‏.‏ حذيفة بن اليمان والمغيرة بن شعبه وعقبة بن عمرو وجرير بن عبد الله وحنظلة الكاتب وبشير بن الخصاصية والأشعث بن قيس ووائل بن حجر وسعيد بن قيس الهمداني‏.‏ ثم تزاحفوا للقتال يوم الأربعاء والخميس والحرب سجال‏.‏ ثم أحجروهم في خنادقهم يوم الجمعة وحاصروهم أياماً وسئم المسلمون اعتصامهم بالخنادق وتشاوروا وأشار طليحة باستخراجهم للمناجزة بالاستطراد بفناشبهم القعقاع فبرزوا إليه كأنهم حبال حديد قد تواثقوا أن لا يفروا وألقوا حسك الحديد خلفهم لئلا ينهزموا‏.‏ فلما برزوا استطرد لهم حتى فارقوا الخنادق وقد ثبت لهم المسلمون ونزل الصبر ثم وقف النعمان على الكتائب وحرض المسلمين ودعا لنفسه بالشهادة‏.‏ وقال إذا كبرت الثالثة فاحملوا ثم كبر وحمل عند الزوال وتجاول الناس ساعة وركدت الحرب ثم انفض الأعاجم وانهزموا‏.‏ وقتلوا ما بين الظهر والعتمة حتى سالت أرض المعركة دمأ تزلق فيه المشاة حتى زلق فيه النعمان وصرع‏.‏ وقيل بل أصابه سهم فسجاه أخوه نعيم بثوب وتناول الراية حذيفة بعهده وتواصلوا بكتمان موته‏.‏ وذهب الأعاجم ليلاً وعميت عليهم المذاهب وعقرهم حسك الحديد ووقعوا في اللهيب الذي أعدوه في عسكرهم‏.‏ فمات منهم أكثر من مئة ألف منها نحو ثلاثين ألفا في المعركة وهرب الفيرزان بعد أن صرع إلى همذان واتبعه نعيم بن مقرن فأدركه بالثنية دونها وقد سدتها الأحمال وترجل وصعد في الجبل‏.‏ وكان نعيم قد قدم القعقاع أمامه فاعترضه وقتله المسلمون على الثنية ودخل الفل همذان وبها خسر شنوم فنزل المسلمون عليها مع نعيم والقعقاع‏.‏ ودخل المسلمون نهاوند يوم الوقعة وغنموا ما فيها وجمعوه إلى صاحب الأقباض السائب بن الأقرع‏.‏ وولى على الجند حذيفة بعهد النعمان إليه‏.‏ ثم جاء الهربذ صاحب بيت النار إلى حذيفة فأمنه وأخرج له صفتين مملوءتين جوهرأ نفيساً كانا من دخائل كسرى أودعهما عنده وبعث الخمس من السائب إلى عمر وأخبره بالواقعة وبالفتح ومن استشهد فبكى‏.‏ وبالصفتين فقال ضعهما في بيت المال والحق بجندك‏.‏ قال السائب‏:‏ ثم لحقني رسوله بالكوفة فردني إليه فلما رآني قال‏:‏ ما لي وللسائب ما هو إلا أن نمت الليلة التي خرجت فيها فباتت الملائكة تسحبني إلى السفطين يشتعلان ناراً يتواعداني بالكي إن لم أقسمهما فخذهما عني وبعهما في أرزاق المسلمين‏.‏ فبعثمهما بالكوفة من عمرو بن حريث المخزومي بألفي ألف درهم وباعهما عمرو بأرض الأعاجم بضعفهما‏.‏ فكان له بالكوفة مال‏.‏ وكان سهم الفارس بنهاوند ستة آلاف والراجل ألفين ولم يكن للفرس بعدها اجتماع وكان أبو لؤلؤة قاتل عمر من أهل نهاوند حصل في أسر الروم وأسره الفرس منهم فكان إذا لقي سبي نهاوند بالمدينة يبكي ويقول‏:‏ أكل عمر كبدي‏.‏ وكان أبو موسى الأشعري قد حضر نهاوند على أهل البصرة فلما انصرف مر بالدينور فحاصروها خمسة أيام ثم صالحوه على الجزية‏.‏ وصار إلى أهل شيروان فصالحوه كذلك‏.‏ وبعث السائب بن الأقرع إلى العيمرة ففتحها صلحأ‏.‏ ولما اشتد الحصار بأهل همذان بعث خسرشنوم إلى نعيم والقعقاع في الصلح على قبول الجزية فأجابوه إلى ذلك‏.‏ ثم اقتدى أهل الماهين وهم الملوك الذين جاءوا لنصرة يزدجرد بأهل همذان وبعثوا إلى حذيفة فصالحوه‏.‏ وأمر عمر بالإنسياح في بلاد الأعاجم وعزل عبد الله بن عبد الله بن عتبان عن الكوفة وبعثه في وجه آخر‏.‏ وولى مكانه زياد بن حنظلة حليف لبني عبد قصي واستعفى فاعفاه‏.‏ وولى عمار بن ياسر واستدعى بن مسعود من حمص فبعثه معه معلماً لأهل الكوفة وأمدهم بأبي موسى وأمد أهل البصرة مكانه بعبد الله بن عبد الله‏.‏ ثم بعثه إلى أصبهان مكان حذيفة وولى على البصرة عمرو بن سراقة‏.‏ ثم انتقض أهل همذان فبعث إلى نعيم بن مقرن يحاصرهم وصار بعد فتحها إلى خراسان‏.‏ وبعث عتبة بن فرقد وبكر بن عبد الله إلى أذربيجان فدخل أحدهما من حلوان والآخر من الموصل ولما فضل عبد الله بن عبد الله بن عتبان إلى أصبهان وكان من الصحابة من وجوه الأنصار حليف بني الحبلي فأمده بأبي موسى‏.‏ وجعل على مجنبتيه عبد الله بن ورقاء الرياحي وعصمة بن عبد الله فسار إلى نهاوند‏.‏ ورجع حذيفة إلى عمله على ما سقت دجلة‏.‏ فسار عبد الله بمن معه ومن تبعه من عند النعمان نحو أصبهان وعلى جندها الأسبيدان وعلى مقدمته شهريار بن جادويه في جمع عظيم برستاق أصبهان فاقتتلوا وبارز عبد الله بن ورقاء شهريار فقتله‏.‏ وانهزم أهل أصبهان وصالحهم الأسبيدان على ذلك الرستاق‏.‏ ثم ساروا إلى أصبهان وتسمى جي وملكها الفادوسفان فصالحهم على الجزية والخيار بين المقام والذهاب وقال‏:‏ ولكم أرض من ذهب‏.‏ وقدم أبو موسى على عبد الله من ناحية الأهواز فدخل معه أصبهان وكتبوا إلى عمر بالفتح‏.‏ فكتب إلى عبد الله أن يسيروا إلى سهيل بن عدي لقتال كرمان فاستخلف على أصبهان السائب بن الأقرع ولحق بسهيل قبل أن يصل كرمان‏.‏ وقد قيل‏:‏ إن النعمان بن مقرن حضر فتح أصبهان أرسله إليها عمر من المدينة واستجاش له أهل الكوفة فقتل في حرب أصبهان‏.‏ والصحيح أن النعمان قتل بنهاوند وافتتح أبو موسى قم وقاشان‏.‏ ثم ولى عمر على الكوفة سنة إحدى وعشرين المغيرة بن شعبة وعزل عماراً‏.‏ فتح همذان كان أهل همذان قد صالح عليهم خشرشنوم القعقاع ونعيماً وضمنهما ثم انتقض فكتب عمر إلى نعيم أن يقصدها فودع حذيفة ورجع إليها من الطريق على تعبيته‏.‏ فاستولى على بلادها أجمع حتى صالحوه على الجزية‏.‏ وقيل إن فتحها كان سنة أربع وعشرين‏.‏ فبينما نعيم يجول في نواحي همذان إذ جاءه الخبر بخروج الديلم وأهل الري واسفنديار أخو رستم بأهل أذربيجان‏.‏ فاستخلف نعيم على همذان يزيد بن قيس الهمذاني وسار إليهم فاقتتلوا وانهزم الفرس وكانت واقعتها مثل نهاوند وأعظم‏.‏ وكتبوا إلى عمر بالفتح فأمر نعيماً بقصد الري والمقام بها بعد فتحها‏.‏ وقيل إن المغيرة بن شعبة أرسل من الكوفة جرير بن عبد الله إلى همذان ففتحها صلحاً وغلب على أرضها وقيل تولاها بنفسه وجرير على مقدمته‏.‏ ولما فتح جرير همذان بعث البراء بن عازب إلى قزوين ففتح ما قبلها وسار إليها فاستنجدوا بالديلم فوعدوهم‏.‏ ثم جاء البراء في المسلمين فخرجوا لقتالهم والديلم وقوف بأعلى الجبل ينظرون فيئس أهل قزوين منهم وصالحوا البراء على صلح أبهر قبلها‏.‏ ثم غزا البراء الديلم وجيلان‏.‏ فتح الري ولما انصرف نعيم من واقعته سار إلى الري وخرج إليه أبو الفرخان من أهلها في الصلح وأبى ذلك ملكها سياوخش بن مهران بن بهرام جوبين واستمد أهل دنباوند وطبرستان وقومس وجرجان فأمروه والتقوا مع نعيم فشغلوا به عن المدينة‏.‏ وقد كان خلفهم أبو فرخان‏.‏ ودخل المدينة من الليل ومعه المنذر بن عمرو وأخو نعيم فلم يشعروا وهم مواقفون لنعيم إلا بالتكبير من ورائهم فانهزموا وقتلوا وأفاء الله على المسلمين بالري مثلما كان بالمدائن‏.‏ وصالحه أبو الفرخان الزبيني على البلاد يزل شرفهم في عقبه‏.‏ وأخرب نعيماً مدينتهم العتيقة وأمر ببناء أخرى‏.‏ وكتب إلى عمر بالفتح وصالحه أهل دنباوند على الجزية فقبل منهم‏.‏ ولما بعث بالأخماس إلى عمر كتب إليه بإرسال أخيه سويد إلى قومس ومعه هند بن عمرو الجملي فسار فلم يقم له أحد وأخذها سلماً وعسكر بها‏.‏ وكاتبه الفل الذين بطبرستان وبالمفاوز فصالحوه على الجزية ثم سار إلى جرجان وعسكر منها ببسطام وصالحه ملكها على الجزية وتلقاه مرزبان صول قبل جرجان فكان معه حتى جبل خراج‏.‏ وأراه مروجها وسدها وقيل كان فتحها سنة ثلاثين أيام عثمان‏.‏ ثم أرسل سويد إلى الأصبهبذ صاحب طبرستان على الموادعة فقبل وعقد له بذلك‏.‏